السنوكر- من الهند إلى العالمية.. قصة مهارة واستراتيجية

تعتبر رياضة السنوكر مزيجًا فريدًا من المهارة الفائقة والتخطيط الاستراتيجي المحكم، حيث انطلقت في رحلة مدهشة خلال القرن التاسع عشر، مستمدة جذورها العميقة من لعبة البلياردو، التي كانت تحظى بشعبية واسعة في أرجاء أوروبا خلال العصور الوسطى المفعمة بالتاريخ.
مع مرور الوقت، وتحديدًا في القرن التاسع عشر، شهدت ألعاب البلياردو تطورات ملحوظة، إلا أن السنوكر بشكله الحالي المميز قد بزغ نجمه في الهند خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية.
ففي سبعينيات القرن التاسع عشر، كان الضباط البريطانيون المتواجدون في الهند يبحثون بشغف عن وسيلة جديدة ومبتكرة لتمضية أوقات فراغهم، والتخلص من روتين الحياة اليومية.
وفي عام 1875، تحديدًا في مدينة جابالبور الهندية، قام الضابط البريطاني المبدع نيفيل تشامبرلين بابتكار لعبة جديدة كليًا، وذلك من خلال دمج عناصر أساسية من لعبتي «البلاك بُل» و«البايراميد بُل» الشهيرتين.
وقام تشامبرلين بلمسة عبقرية بإضافة كرات ملونة زاهية إلى الكرات الحمراء التقليدية المستخدمة في لعبة «البايراميد بُل»، كما وضع مجموعة جديدة ومبتكرة من القواعد لتسجيل النقاط، مما أدى إلى ميلاد لعبة السنوكر التي نعرفها اليوم.
وتجدر الإشارة إلى أن كلمة «سنوكر» Snooker مشتقة من مصطلح عسكري بريطاني قديم، كان يُطلق على الجنود المبتدئين أو الذين يفتقرون إلى الخبرة والمهارة في المجال العسكري.
وتُروى قصة طريفة مفادها أن تشامبرلين استخدم هذا المصطلح بشكل مزاح أثناء إحدى مباريات اللعبة، وذلك عندما فشل أحد زملائه في إصابة الكرة المطلوبة، ما ألهمه بشكل فوري لتسمية اللعبة بهذا الاسم المميز.
كما يُشير مصطلح «سنوكر» في اللعبة نفسها إلى وضعية معينة وحاسمة، يضع فيها اللاعب خصمه في موقف صعب للغاية، بحيث يصبح من الصعب عليه إصابة الكرة المطلوبة بدقة ومهارة.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، انتقلت اللعبة سريعًا إلى بريطانيا مع عودة الضباط البريطانيين المنتصرين، وسرعان ما بدأت في الانتشار والتوسع في الأندية والصالات الرياضية المختلفة.
في بداية الأمر، كانت اللعبة تُلعب بقواعد مختلفة وغير موحدة، ولكن بحلول عام 1910، بدأت الرابطة الإنجليزية للبلياردو والسنوكر «BA&CC» في توحيد القوانين والإجراءات، وذلك قبل تأسيس الاتحاد الدولي للبلياردو والسنوكر «IBSF» في عام 1971.
وخلال القرن العشرين، شهدت رياضة السنوكر طفرة هائلة في شعبيتها الجارفة، وذلك مع تنظيم أول بطولة عالمية للسنوكر في عام 1927، والتي فاز بها اللاعب الأسطوري جو ديفيس، الذي هيمن على اللعبة لعدة عقود متتالية.
كما ساهم ظهور البث التلفزيوني الملون في سبعينيات القرن الماضي في زيادة شعبية اللعبة بشكل كبير، حيث جذبت الألوان الزاهية للكرات «الحمراء والملونة» أنظار المشاهدين من جميع أنحاء العالم.
وقد تطورت القوانين الأساسية للعبة تدريجيًا لتصبح كما هي اليوم، حيث تُلعب على طاولة مستطيلة الشكل «12 قدم × 6 أقدام» تتضمن 15 كرة حمراء و6 كرات ملونة بالإضافة إلى كرة بيضاء واحدة.
ويهدف اللاعبون في هذه الرياضة إلى تسجيل النقاط من خلال إدخال الكرات في الجيوب بترتيب معين ومحدد، مع وجود قواعد صارمة ودقيقة لتجنب الأخطاء، كما يلتزم اللاعبون بارتداء بدلة رسمية أنيقة تزيد من رونق اللعبة وجمالها.
وانطلاقًا من بريطانيا، انتشرت رياضة السنوكر بسرعة فائقة إلى دول الكومنولث، مثل أستراليا وكندا، ثم إلى قارة آسيا «خاصة الصين وتايلاند»، ومنطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة.
واليوم، تُعد السنوكر رياضة عالمية بامتياز، حيث تقام لها بطولات كبرى ومهمة، مثل بطولة الماسترز وبطولة العالم، وتستقطب ملايين المشاهدين المتحمسين من جميع أنحاء العالم، خاصة مع استضافة المملكة العربية السعودية فعاليات كبرى ومتميزة، مثل بطولة «ماستر العالم» في عام 2025، والتي ستنطلق في مدينة جدة الساحرة يوم الجمعة القادم.